الأحد، 5 سبتمبر 2010

موقف تركيا من البرنامج النووي الايراني


موقف تركيا من البرنامج النووي الايراني
الدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي
مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل


مقدمة
ليس من شك في ان البرنامج النووي الإيراني المتنامي ، لا يزال يثير الكثير من الإشكالات ليس على الصعيد الدولي وحسب وإنما على الصعيد الإقليمي كذلك (1) . وكما هو معروف فأن الاهتمام بهذا البرنامج قد بدأ ،بعد إعلان الحكومة الإيرانية منذ أوائل أيلول 2000 نجاح كوادرها الفنية في إطلاق نوع جديد من الصواريخ ، وهي صواريخ شهاب 3 التي يصل مداها الى 1500كم (2) . ومع ان وزير الدفاع آنذاك السيد علي شمخاني قال ان الصاروخ مصمم لإطلاق الأقمار الاصطناعية ، لكن خبراء عسكريون معرفون قالوا بان الصاروخ يمكن استخدامه لأغراض عسكرية وان بمقدوره حمل رؤوس نووية (3) ... وسنحاول في هذا البحث الوقوف اولا عند أبعاد البرنامج النووي الإيراني ثم نبين موقف تركيا منه .

أولاً : أبعاد البرنامج النووي الإيراني :
تتفق معظم المصادر المتداولة على ان الحكومة الإيرانية فكرت في ان تبدأ برنامجاً نووياً منذ أواسط السبعينات في القرن الماضي ، فلقد وقعت إيران على اتفاقية للتعاون النووي مع فرنسا وبموجب هذا الاتفاق تعهدت فرنسا بالبدء بعمليات تركيز اليورانيوم . ولم تتوقف المجهودات الايرانية عند هذا الحد بل اتسعت لتشمل التوقيع على اتفاقية تعاون نووية اخرى مع شركة سيمنز الالمانية تعهدت بموجبها هذه الشركة بانشاء مفاعلين نووين بمدينة بوشهر جنوب ايران .. ويبدو ان ظروف قيام الثورة الاسلامية واسقاط نظام الشاه سنة 1979 حالت دون استكمال هذا المشروع ، اذ توقف البرنامج او كاد ولكن الحكومة الايرانية استطاعت منذ بين سنتي 1992 و 1995 مفاتحة الصين وروسيا في البدء بتطوير القدرات النووية الايرانية ، وهكذا فان ايران اصبحت منذ ذلك الوقت تمتلك عدة محطات نووية ابرزها محطة بوشهر النووية ومركز التكنولوجيا النووية في اصفهان ومركز طهران للدراسات النووية وادارة البحوث النووية بمدينة يزد . وتبرر الحكومة الايرانية اسباب اقدامها على تطوير برنامجها النووي برغبتها في تعزيز مكانتها الإقليمية والحفاظ على أمنها القومي خاصة بعد تفاقم أخبار إقدام العراق على بناء قدرات نووية فضلا عن ان إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضخمة (4) ..
واجه المشروع النووي الإيراني الكثير من العقبات لعل من أبرزها الموقف الأمريكي مع أن إيران ، وقعت على معاهدة انتشار الأسلحة النووية ( NPT ) منذ سنة 1968 كما ان معظم تقارير الوكالة الدولية النووية للطاقة الذرية تؤكد التزام إيران بالمعاهدة وكما هو معروف فان الولايات المتحدة حتى كتابة هذه السطور لا تزال تسعى من اجل الحيلولة دون وصول البرنامج النووي الإيراني الى أهدافه الحثيثة وتقوم الإدارة الأمريكية بين وقت وأخر بمساع دبلوماسية لإقناع أعضاء مجلس الأمن بالوقوف ضد استكمال ايران لمشروعها النووي وخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم والوصول الى تكنولوجيا تصنيع القنابل النووية . وتتحدث الاوساط الامريكية ، وخاصة وكالة المخابرات الامريكية منذ اواسط سنة 2002 عن ان ايران تمتلك منشأتين نوويتين الاولى لتخصيب اليوارنيوم في مدينة نطنز والثانية مصنع لانتاج المياه الثيلة بالقرب من مدينة اراك وكلا المنشاتين يقعان وسط ايران .. ويؤكد الامريكان ان ايران تستطيع اكمال دورة الوقود النووية وبالتالي فهي قادرة على صنع اسلحة نووية (5) .

ثانياً : موقف تركيا من البرنامج النووي الإيراني :
يثير البرنامج النووي الايراني ردود فعل ومواقف عربية واقليمية ودولية متباينة ، والذي يهمنا هنا هو معرفة الموقف التركي من هذا البرنامج ، ومما يؤسف له اننا لا نمتلك الكثير من المعلومات عن هذا الموقف ، خاصة وان تركيا ،ومنذ حدوث التغييرات في الاتحاد السوفيتي السابق ومنظومة الدول الاشتراكية، بدات تسعى من اجل اقامة مفاعل نووي في خليج اكويو جنوب تركيا ، وهو من ضمن عشرة مفاعلات نووية تنوي بناءها بحلول سنة 2020 .. وقد اشارت جريدة الحياة التي تصدر في لندن بعددها الصادر في 11 من ايار / مايو سنة 1998 الى ان منظمة السلام الاخضر تتحرك منذ ثماني سنوات لمنع تركيا من اقامة ذلك المفاعل وقد نشرت المنظمة تقريراً تضمن احتمالات الخطر من بناء هذا المفاعل على الدول المحيطة بتركيا .. وقد نشرت جريدة تركش ديلي نيوز (6) ( Turkish Daily News ) مقالا قالت فيه كاتبته فيولا اوزيركان Fulya Ozerkan ان وزير البنية التحتية الاسرائيلية بن اليعاز حذر من ان اتفاقاً بشأن الطاقة بين تركيا وايران سيعمل على تشجيع ايران في الاقدام على تطوير برنامجها النووي .. وقد انتقد الوزير الاسرائيلي وبشدة اتفاقاً للتعاون التركي _ الايراني حول الغاز الطبيعي قائلاً : (( ان احراز التقدم في مثل هذه المشاريع يعمل على تشجيع طهران المتهمة من قبل الغرب بالسعي لامتلاك السلاح النووي !! ))
واضاف الوزير الاسرائيلي يقول : (( ان ايران باتت تشكل خطراً على الاستقرار في الشرق الاوسط بل هي خطر على العالم كله ، هذا فضلا عن كونها تشكل تهديداً للاستقرار في العالم الاسلامي )) (7) ..
كما ان الولايات المتحدة انتقدت الخطوة التركية اتجاه التوقيع على اتفاق التعاون التركي _ الايراني الذي جرى في العام الماضي ( 2007 ) وقالت ان الخطوة التركية جاءت في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن الى فرض عقوبات اشد ضد ايران بسبب برنامجها النووي .. وقد ردت الحكومة التركية على ذلك قائلة انها تهدف من خلال علاقاتها الودية مع دول المنظمة والمجتمع الدولي الى اشاعة اسلوب دبلوماسي مكثف سوف يساعد ، بدون شك ، على نزع فتيل التوتر النووي .. وقال احد المسؤولين الاتراك المعنيين بالبرنامج النووي الايراني : (( اننا على استعداد لدفع الثمن مقابل السلام )) وقد علق الوزير الاسرائيلي بن اليعازر على ذلك بقوله ان تركيا ، كما يبدو ، تريد ان تنهمك في الدفع بجهود ترمي الى تخفيف الضجة المتنامية بخصوص نشاطات طهران النووية (

خلاصة :
ليس من شك في أن ايران مصرة على إكمال برنامجها النووي بالرغم من اعتراضات الولايات المتحدة الامريكية ، وترى في ذلك وسيلة من وسائل تاكيد مكانتها الاقليمية، وفي اطر سيادتها القومية .. وفيما يتعلق بتركيا، فمع انها تدعو الى اقامة منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط الا انها تسعى من اجل ابعاد البرنامج النووي الايراني عن طبيعته العسكرية وتحاول تشجيع ايران على الاستفادة من هذا البرنامج لاغراض سلمية لان البرنامج النووي الايراني اذا ما كان ذا طبيعة سلمية فعلى الارجح ، كما يقول الدكتور رياض الراوي (9) . ان لايكون له تاثير على هذه المنطقة ، بل على العكس من ذلك ، فربما يشكل في هذه الحالة ، لاسيما اذا كان الهدف من هذا البرنامج هو حقاً لتوليد الطاقة الكهربائية ، على وفق وجهة النظر الايرانية ، عاملا يفضي ، ربما ، الى بناء نوع من علاقات التعاون بين دول المنطقة عندما يصدر الفائض في هذه الطاقة الى الدول المجاورة ، التي تعاني نقصاً منها ، او عن طريق الاشتراك بمنظومة ربط للطاقة الكهربائية مع دول من منطقة الشرق الاوسط . هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فان عدم وضوح الصورة الحقيقية للبرنامج النووي الايراني، وعدم اكتماله في جوانبه الفنية ، فضلا عن استمرار الشكوك حول اهدافه يجعل من أي اثار يمكن ان يخلفها امراً مستقبلياً غير محدد الملامح ، مما يبقي الاحتمالات مفتوحة على نهايتها ، بالرغم من ان هذه الاحتمالات ستكون مرتبطة بالمتغيرات الايرانية الداخلية والمتغيرات التي يمكن ان تحصل في بيئة ايران الخارجية ، اقليمياً ودولياً .
ان اسرائيل، التي ترتبط مع تركيا في تحالف استراتيجي، لا تزال ترى ان تركيا يمكن ان تعلب دورا كابحاً للتهديدات الايرانية ، وقد اكدت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية في 28 مايو / ايار 2006 ذلك، عندما ناقشت في مستهل زيارتها لانقرة البرنامج النووي الايراني .. ولم يخف الاتراك حقيقة انهم لايمكن ان يكونوا في موقف منعزل عن موقف دول الاتحاد الاوربي ، خاصة وانهم يسعون من اجل الانضمام الى هذا الاتحاد منذ زمن بعيد وكما يقول احد المراقبين فان الموقف التركي سيكون ، على الارجح ، منسجماً ومتناغماً مع موقف الاتحاد الأوربي من امتلاك ايران للسلاح النووي ، ويحرص الأتراك على الابتعاد عن أي تعارض او تقاطع عن أي قرارات قد يتخذها الأوربيون حيال هذا البرنامج ، مثل فرض عقوبات اقتصادية وسياسية من خلال مجلس الامن على تركيا ، وكما ان تركيا ، مقارنة بموقفها من الحرب على العراق في ربيع عام 2003 ، قد لا تبني او تعدم رد الفعل الامريكي ، لاسيما اذا ما قررت الولايات المتحدة استخدام القوة ضد ايران ، الا ربما في حالة حصول تحالف عسكري دولي تشترك في صنعه دول الاتحاد الاوربي او تعدم قيماه ويحظى بالشرعية الدولية .. ولعى الارجح فان تركيا كذلك سوف لن تبدي أية تسهيلات أو دعم لعمل عسكري ربما تقوم به اسرائيل ضد المنشأت النووية الايرانية او مرتكزات البنى التحتية الايرانية ، تجنباً لردود الفعل الشعبية التركية والراي العام العربي والاسلامي .. وربما من المهم أن تنظر تركيا الى السلاح النووي الايراني بوصفه نوعاً من التهديد لأمنها القومي، ولذلك فانها سوف تؤازر الدعوات التي تهدف الى جعل منطقة الشرق برمتها منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق