الاثنين، 1 فبراير 2010

مغزى نفي صفة الارهاب عن حزب العمال الكردستاني التركي !!


مغزى نفي صفة الارهاب عن حزب العمال الكردستاني التركي !!
دة .سناء عبد الله عزيز الطائي
مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل




ظهر حزب العمال الكردستاني،(بارتيا كاركه راني كوردستان ) المعروف في الادبيات السياسية PKK(وهي اختصار لتعبير Partiya Karderin Kurdistan في بداية السبعينات من القرن الماضي، كتيار ايدولوجي، متأثرا بالافكار والنشاطات ذات الطابع الماركسي ، واتخذ التيار انذاك من الجامعات والمنتديات منبرا له .
ومنذ عام 1974، تنامت حركته ،ووصل قادته الى نتيجة مؤادها أن حل القضية الكردية يتوقف على مدى تطبيق المباديء الماركسية . ويعد عام 1980 البداية الحقيقية للنشاط السياسي والعسكري للحزب ، خاصة بعد تطويره لنظامه الداخلي، ونجاحه في استقطاب عدد كبير من العمال والمثقفين والفلاحين ونشر افكاره بينهم .
ونتيجة لتصاعد المواجهة بين ألنظام التركي وحزب العمال الكردستاني، اتخذ الحزب قرارا بالانسحاب الى خارج تركيا والعمل هناك تحت ستراتيجية محددة سميت في حينه بـ (الانفتاح على الخارج) ، وعد هذا القرار انسحابا اضطراريا على اساس المقاومة والثورة خاصة بعد ان تأكدت قيادة الحزب انذاك عدم امكانية الاستمرار في نشاطه داخل تركيا ، لذلك بدأ بتسريب كوادره الى بعض بلدان الشرق الاوسط كسوريا ولبنان والعراق وايران ، فضلا عن دول اوربية اخرى من اجل ممارسة نشاطهم هناك في ظل اوضاع اكثر أمنا .
وفي عام 1982 قام الحزب بدعوة اعضاءه ، وقياداته للعودة الى مناطق الولايات ذات الاكثرية الكردية في تركيا ، ليباشر من هناك عملية بناء تنظيم عسكري أطلق عليه ( وحدة تحرير كردستان) ، وقد بدأ التنظيم منذئذ بممارسة ما يعرف ب (حرب العصابات) ضد المنشآت والمؤسسات الحكومية ، ومقرات الجيش والمليشيات الكردية التي قامت السلطات التركية بتشكيلها ، واعلن الحزب منذ عام 1984 الكفاح المسلح ، وهذا لايعني ان الحزب لم يمارس الكفاح المسلح منذ نهاية السبعينات ،فالحزب يؤمن بحرب ( الغوريلا GORILLA) أي حرب العصابات ، وكان يتجنب الحرب الجبهوية ، وربما يعود ذلك الى ملائمة هذا الاسلوب لمقاتليه ، فضلا عن طبيعة المنطقة الجغرافية ، وبالفعل أصبح لحزب العمال الكردستاني عام 1990 جيشا متكاملا من ( رجال العصابات) الحقيقيين .
ولو بحثنا الاسباب الى دعت الحزب الى اتباع نهج الكفاح المسلح ، لوجدنا أن عدم تلق الحركة التأييد والاسناد الشعبي الكافي لها داخل حدود تركيا كان من الاسباب الرئيسية ، حيث كان للاجراءات القاسية التي اتبعتها الحكومة التركية ليس فقط مع قوات حزب العمال الكردستاني ، بل تعدى ذلك الى سكان القرى والمدن التركية . فضلا عن مراقبة نشاطات الكرد السياسية المعارضة لها داخل تركيا وخارجها ، مما جعلها تسلك اسلوبا جديدا قائما على الاغارة على القرى والمدن الامنة ، وما رافق ذلك من وقوع العديد من الضحايا الابرياء من الترك والكورد انفسهم ، مما اساء الى سمعة الحركة ومن ثم أدى الى حدوث ردود افعال شديدة حيالها .
وثمة حقيقة لابد من التأكيد عليها، وهي ان حزب العمال الكردستاني يختلف بطبيعته، وتنظيمه، واسلوبه في العمل السياسي التنظيمي والمسلح عن الاحزاب الاخرى والتنظيمات السياسية الكردستانية الاخرى ، فهو يعد نفسه الممثل الحقيقي للاكراد ، ويرى أن حركته حركة تحررية عصرية قومية مستقلة ويتضح هذا من معرفتنا لانشطته الكثيرة التي لاحصر لها ومنها على سبيل المثال تنفيذ مقاتليه (51) عملية اقتحام وهجوم واغتيال ضد عناصر من الجيش والبوليس التركي والاكراد الموالين للسلطة ومن يعرفون بحماة القرى وضمن المدة الواقعة بين 15 آب 1989 و 15 آب 1990 .
أما جدول عملياته في المدة من (15 آب 1990 ـ 15 آب 1991 ) فقد وقعت خلالها اكثر من (586) مصادمة ومعركة بين ما يسمى بـ (قوات تحرير كردستان) والجيش التركي ونفذت اكثر من (77) عملية كمين و(24) عملية تخريب و (184) عملية هجوم وزرع (53) لغما على الطرقات المستخدمة من قبل الجيش التركي ، وقتل نتيجة هذه العمليات (204) عنصرا من عناصر الوحدات الخاصة (الكومندوس) والبوليس و (161) ضابط وضابط صف و (1779) جندي و(164) من حماة القرى و (91) من رجال الامن والمتعاونين معه فضلا عن قائمقام وحاكم وسجانين وثمانية موظفين ، وتناقلت وكالات الانباء العالمية ان عدد الذين قتلوا نتيجة المواجهات للمواجهات المسلحة بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية قد بلغ حتى آذار 1993 (8000) شخص تقريبا .
مما تقدم يتضح أن اهم ما يميز النهج العسكري لحزب العمال الكردستاني ، انه لم يوجه سلاحه ضد المدنيين ولم يتبنى الى حد الان أي عملية استهدفت المدنيين بعكس الجيش التركي الذي اشيع في حينه انه استهدف المدنيين الكورد وقد ذكر في وكالات الانباء ان حزب العمال الكردستاني استهدف، ومنذ البداية، الجيش التركي،حتى انه لم ينقل حربه الى الداخل التركي ، وانما ظل يحارب من جبال كردستان تركيا ، بل أن( عبد الله اوج ئلان) زعيم الحزب ، صرح اكثر من مرة لبعض الصحف ومراسلي وكالات الانباء انه يشجب ويدين الارهاب بكل اصنافه واشكاله، وانه يفضل ويقبل بالحل السلمي لكل المشاكل بدلا من العنف والقتال بين الكورد واخوانهم الترك ، وانه على استعداد لوقف العمليات المسلحة والتخلي عن العنف وبمنحه الفرصة للحوار الاخوي .
الا ان صفة الارهاب ظلت مرتبطة باسم حزب العمال الكردستاني وظلت الحكومة التركية تلصق هذه الصفة بنشاطات الحزب ، وكان اطلاق هذه الصفة هو السلاح الرسمي الاكبر بيد الحكومة التركية ضد الحزب ، ولقد استخدمته بذكاء ولفترة طويلة جدا ، وكانت اساليب عمل الحزب تتيح لها ذلك وتعطي الدولة التركية فرصة اطلاق اسم الارهاب عليه ، حيث استغلت الدولة بعض مشاهد قسوة انصار حزب العمال ضد النساء والاطفال وبعض القرويين الكورد والمتعاونين مع السلطات التركيةفي بعض مراحل النضال المسلح للتنديد بالحزب وتصويره أمام العالم بانه ارهابي .
وقد يكون من المناسب الاشارة الى ان كمال بورقاي وهو محام واديب ، وأمين عام الحزب الاشتراكي الكردستاني الف كتابا تحت عنوان :(حزب العمال الكردستاني ثورية ام ارهابية) ، هاجم فيه الحزب ووصفه بانه حزب متطرف وارهابي ، كما وقعت خمسة احزاب كردية بيانا مشتركا تحت عنوان: ( ماهية حزب العمال الكردستاني) ، ومما جاء فيه : ((ان احزابنا ومنظماتنا ترى ان سياسة (الابوجيلر) وضيق منطقتهم وافقهم لاعلاقة له بالوطنية والثورة وان عملياتهم تخدم البرجوازية الاستعمارية والدكتاتورية وتلحق الضرر بنضال شعب كردستان)) وقد ذهب الحزب الاسلامي الكردستاني الى حد القول بأن حزب العمال الكردستاني يتلقى الدعم من اسرائيل .
لقد وصف السيد هوشيار زيباري وزير خارجية العراق الحالي في احد تصريحاته ، تكتيكات حزب العمال بانها ارهابية وان الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي لن يسمح لهم بمواصلة العمل من داخل أراضي كردستان العراق ، ويبدو ان الحزب قد انتبه الى هذه الحالة ، واثناء مراجعته الذاتية لسياسته حاول تغير تلك الصورة ، واطلق اوج ئالان من سجنه الانفرادي اوائل عام 2007 دعوة سلمية الى السلطات الحكومية التركية للحوار مع الكورد ونظم مئات الاف من الكوادر بناء على ذلك مسيرات ومظاهرات وتجمعات سلمية ضخمة تحت شعار ( السلام /السلام / السلام للكورد والترك / الديموقراطية الحقيقية ) ونظم عدد كبير من مثقفي العالم مع كورد تركيا مؤتمرا للسلام في انقرة في شباط الماضي تلا فيه الروائي التركي المعروف (يشار كمال) بيان المؤتمر الذي اكد شعار ( الديموقراطية الحقيقية اولا) ومن ثم صار ذلك شعارا رئيسيا للحركة الجماهيرية ، وعلى الرغم من ذلك كله ظلت الحكومة التركية متمسكة بنظرتها وموقفها ازاء نشاط حزب العمال واصفة اياه بالارهاب .
وبعد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 ، غير حزب العمال الكردستاني اسمه رسميا الى ( مؤتمر الديموقراطية الكردستانية) وذلك كمحاولة للهروب من تصفيته كمنظمة ارهابية ، كما ققام بتشكيل جماعات أصغر تابعة له على امل الا يجري استهدافها من جانب الحكومتين التركية والاميركية .
الذي نريد ان نقوله في هذا الرصد العلمي ان محكمة العدل الاوربية اصدرت عام 2002 قرارا ادرج بمقتضاه الاتحاد الاوربي حزب العمال الكردستاني على لائحة المنظمات الارهابية وكان تسلسله في اللائحة (25) للتنظيمات الارهابية .
الا ان المحكمة في الاتحاد الاوربي الغت في اليوم العاشر من نيسان 2008 قرارها السابق بادراج حزب العمال الكردستاني على قائمة الجماعات التي يجب ان تجمد اموالها من اطار ما يسمى الحرب على الارهاب ، الا ان رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب اردوغان ، قلل من اهمية قرار محكمة العدل الاوربية شطب حزب العمال الكردستاني من القائمة السوداء للمنظمات الارهابية ، مؤكدا ان الموقف الاوربي بشأن الحزب لم يتغير وقال اردوغان ان : ((مسؤولين في مجلس الاتحاد الاوربي والمفوضية التابعة للاتحاد قد ادلو بتصريحات بهذا الشأن اكدوا فيها ان اسم الحزب لن يرفع من القائمة السوداء )) ، مضيفا ان قرار المحكمة الاوربية لايمس جوهر المسالة ،وهو ان الحزب منظمة ارهابية .واوضح اردوغان ان قرار القضاء الاوربي يمثل بيانا حول تصحيح الخطأ الاجرائي الذي ارتكبه الاتحاد الاوربي عند ادراج اسم حزب العمال الكردستاني ضمن القائمة للمنظمات الارهابية.كما وان تركيا اعلنت وعلى لسان وزير العدل محمد علي شاهين: ((ان من شأن هذا القرار اضعاف الجهود الدولية لمحاربة ما يسمى بالارهاب)) ، الا ان مسؤولا بالاتحاد الاوربي اشار الى ان القرار لن يكون له اثر عملي ، وذلك لان نسخة جديدة من القائمة وضعت في ديسمبر ، كانون الاول ، 2007 وتتضمن حزب العمال الكردستاني ،وتأخذ في الحسبان وجهات النظر في قضايا مماثلة في الماضي ، واكد ان حزب العمال الكردستاني لايزال على رأس القائمة للجماعات الارهابية التي تتألف من (48) منظمة وجماعة ارهابية مسلحة متهمة بما يسمى بالارهاب تلك الكلمة الاكثر اثارة للجدل فالى حد الان لايوجد تعريف محدد لهذه الكلمة حيث استخدمت مرارا وتكرارا من قبل طرفي الصراع وكل طرف يتهم الاخر بالارهاب .
ومهما يكن من أمر، فان ثمة تحركات اوربية وغير اوربية تستهدف اعادة النظر في صفة اتهام حزب العمال الكردستاني التركي بصفة الارهاب اعتقادا منها بانه لايعدو ان يكون حركة تحررية وطنية ، وهذا يتطلب من الحزب ان يتواءم مع الواقع الدولي الجديد ، وان يقتصر نشاطه على الاراضي التركية،وان يغادر الاراضي العراقية ولايثير المشاكل لسكان هذه المنطقة الامنة ، ويحاول ان يدخل مع السلطات التركية الرسمية في حوار وتفاهمات سياسية تعود على الطرفين بالفائدة لكن هذا لايمكن ان يكون الا بعد تحوله الى منظمة سياسية تتبنى النضال السلمي للمشاركة في السلطة ، فهل ينجح الحزب في هذا المسعى وما هو رد فعل الحكومة التركية اذا ما تم التحول المقصود .. لننتظر ونرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق